بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...وبعد ,,
أسرار الناجحين
"كلما أقرأ في كتب السلف تصيبني رعشة لا شعورية!
فهذا يفتي وعمره عشرون سنة، وآخر يفتح ما استعصى فتحه من بلدان، وثالث يروي الأخبار، ويستنطق الحكم البليغة، وهم في ريعان عمرهم، وليس هناك ما يفر بجمال الخلقة، وعذوبة الصوت!
أكاد أجزم -وأنا من نعم الله عليَّ أتحسس الكلمات، وأشعر بالنفحات، وأتلمس صدق التوجهات- أقول:
أنني أجزم أن مطابقة حال القوم لقولهم هي السبب الرئيسي في قبولهم وحب الناس لهم، ثم ما منَّ الله به عليهم من تماسك داخلي!
إنني وأنا أتأمل سيرة إمام كبير كالذهبي وما فتح الله عليه من جمع لسير نبلاء الأمة وأخبارهم، أشعر بتوفيق الله لهذا الرجل، فجمعه، واختياره، وتعليقه، محض فضل من الله.
وما سيعود عليه هذا العمل من آثار تربوية ونفسية وعلمية وحياتيه وعمرانية الشيء الكثير، ولعل تعليقاته خير شاهد.
إننا بحاجة ماسَّة إعطاء أنفسنا وقتاً كافياً للقراءة في السير كتهذيب سير الأعلام للذهبي، ومختصر طبقات الشافعية، وكلاهما من إعداد الشيخ المؤرخ: محمد موسى الشريف، وأن يُضم إليهما مختارات من كتب تاريخية معاصرة كرجال من التاريخ، والذكريات -رحمه الله-، وأمثال ذلك.
إننا ربما سندرك سرَّاً مهماً في تألَّق هؤلاء العظماء، وهو أن استثمارهم كان في بعد النظر وعمق الخيال. فتجدد معارفهم، وتنوع مقابلاتهم، وطول أسفارهم، له الرصيد الفكري والتربوي والنفسي في فهم الحياة.
إن الكثير يسألونني عن سر النجاح لشخصيات مختلفة بشكل ملفت رغم حداثة سنِّهم، فأقول: حسبوها صح!
إنه لا زال الكثير يعاني من فسح عقله وفكره وروحه ومتعته وأنسه للآخرين!
فلا يريد البعض أن يقرأ، أو يسمع الفن، أو يقابل الروّاد، أو يزور البلدان، إلا بنظر الغير!
إن النجاح الحقيقي هو أن يكسب الإنسان ما ينفعه طالما أنه يرضي الله!
وأقول لنفسي أحياناً: ما الذي جعل عالماً كبيراً كالشيخ بن باز محبوب من قبل كل التيارات؟
ولو دققت النظر، لوجدت أنه سمع وقرأ وقابل ودعم وأيَّد الجميع، في حين أحجم القرناء!
إن النجاح العام له أبعاده في سر استثمار المسخّرات الكونية، واستثمار أفكار العقول البشرية.
ولو أضعنا الوقت في تتبع عثرات الناجحين، وبعض تجاوزاتهم، لأضعنا كثيراً من كتب التراث القيمة، ولم تمر على عقولنا أسماء مئات من سادات السلف.
لكن الجيل الواعي من أمثال ابن القيم الذي استثمر ما فُتح على الهروي في مدارج السالكين، هو السبب في نجاح ابن القيم علامة السلوك والتربية الإيمانية، والذي عُرف بهذا الكتاب، وهو تهذيب لكلام الهروي الصوفي، بينما لم يُشهر الإمام ابن القيم السلفي في كتابه الذي خطته أنامله في ذات الموضوع "مفتاح دار السعادة"!
ليتنا نعطي لأنفسنا وغيرنا فرصة للنجاح، فإن الفرص وخاصة للشباب، إذا هيئت لها عقلية متفتحة، ونية مخلصة، وجهود متقنة، ونصائح هادئة، ورؤى متجددة، وأعمال طيبة، فإنها تصنع الأعاجيب!